الوضع السياسي في السنغال: من أجل نزع فتيل الأزمة وتجنب التهديدات الإقليمية Spécial

 

معهد تمبكتو- 7 فبراير 20224

إن الوضع السياسي في السنغال يشهد تصعيدا مقلقا لغاية أنه يستحوذ على الصفحات الأولى من الأخبار الإقليمية والدولية، وهذا البلد الذي كان " معروفا بتقاليده الديمقراطية العريقة " يعيش اليوم أزمة سياسية متوترة تنطوي على توقف العملية الانتخابية قبل أيام قليلة من تاريخ إجراء الانتخابات، مما أسفر عن زخم نادر من إدانات دولية واحتجاجات محلية. إن السنغال قد تمكن من حماية نفسه منذ سنوات طويلة من التهديدات الأمنية والإرهابية في المنطقة بالرغم من كونه جارا لدول عانت أزمات أمنية خطيرة كما شوهد في دولة (مالي)

 وفي مقابلة أجراها مع الصحفية سناء ياسري، في قناة (ميدي 1 تيفي)، ركز الدكتور باكري صمب على مخاطر وأعمال العنف التي من المحتمل أن تتولد من النزاعات الانتخابية، وحذر في تقرير سينشره " معهد تمبكو " في الأيام المقبلة من مختلف التهديدات والمخاطر التي قد تنجم عن العملية الانتخابية وتسهم في الإخلال بالأمن في البلاد، ودعا الكيانات والطبقة السياسية إلى تحديد التدابير التي يمكنها ضمان السلام الذي هو الركن الأساسي لاستمرار المسار الديمقراطي في البلاد علما بأن موقع السنغال الاستراتيجي يعرضه للمنافسات الدولية والأطماع المتنوعة

 

منذ بداية العملية الانتخابية في السنغال، ما زلتَ تجذب الانتباه إلى المخاطر التي قد تنشأ من التنافس في العملية الانتخابية، لكن تأجيل الانتخابات إلى 15 ديسمبر 2024 جعل المشهد السياسي أكثر تعقيدا وتوترا: ما هي المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها السنغال الذي كان لفترة طويلة نموذجا للديمقراطية في القارة؟

لا بد من التأكيد في أول وهلة أن من المؤسف جدا أن السنغال المعروف بتقاليد ديمقراطية عريقة يصل إلى هذه الحالة من الخلافات والمنافسات حتى يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها بعد أسابيع قليلة. إن النزعات التي اتسمت بها العملية الانتخابية لا تشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن فحسب، بل يمكن أن تعرض للخطر قدرة الديمقراطية على البقاء والصمود لفترة طويلة، كما أنه من الممكن أن يؤدي إلى عنف سياسي يساهم في زعزعة البلاد وتعريض البيئة السياسية والأمنية دون الإقليمية للخطر. ويظهر في دراساتنا حول أفريقيا أنه في الفترة من 1994 إلى 2012، تسبب تعقيد العنف المتصل فقط بالعمليات الانتخابية بشكل مباشر في مقتل أكثر من 5000 شخص ونزوح مئات آلاف من السكان، ناهيك عن الدمار الهائل ومئات آلاف من ضحايا الحروب الأهلية، ولذلك إن البلد في حاجة ملحة إلى وضع نهـج يتضمن بذل جهود الوساطة والمساعي الحميدة للعمل من أجل صيانته من آثار الانتخابات على الأمن والديمقراطية

تركز على حالة السنغال عندما تتحدث عن الوضع الأمني الإقليمي، لأن العملية الانتخابية التي تثير الجدل تشكل عاملا يمكن أن يزيد من تعريض البلد للخطر وانعدام الأمن، هل يمكن الرجوع إلى هذه النقطة التي لم تجذب اهتمام العديد من المحللين؟

إذا ركزنا اهتمامنا على المستوي المحلي فقط فإننا نرى أن العنف السياسي المحيط بالعمليات الانتخابية المتنازع عليها في السنغال سيزداد خطورة وتأزما، وهذه الخطورة السياسية ستستمر إلى وقت انعقاد الانتخابات القادمة، مما يشارك في كبح وعرقلة الاستثمار الأجنبي المباشر بكشب خاص، والتدفقات السياحية، والنشاط الاقتصادي بشكل عام، فضلًا عن تضعيف الحدود. جدير بنا التذكير بأن أزمة (مالي) الحالية اندلعتْ نوعا ما نتيجة لمزيج من أزمة سياسية داخلية وأزمة أمنية تفاقمت مع عدم الاستقرار المؤسسي. وكلنا نعلم أن السنغال يشكل هدفا حقيقيا للحركات الإرهابية التي زعزعت استقرار المنطقة، ولذلك، فإن الفترة التي نشهدها ليست مواتية للتورط في أزمات سياسية قد تطول وتحفل بمخاطر قد تدفع البلاد إلى أسوأ حالات الارتياب والشكوك

ما الذي ينبغي عمله أمام هذا الوضع الفريد لتصدي خطر " الانزلاق في العنف الانتخابي " ؟

يضطلع دعم وصون السلام والأمن في السنغال والحفاظ على الديمقراطية والاستقرار في حمل الأطراف المتنافسة على اتخاذ كافة التدابير اللازمة لوضع إطار سياسي وبناء توافق الآراء مع متطلبات جميع الجهات الفاعلة، والأخذ في الاعتبار أهمية إنتاج صياغات سابقة لحل النزاعات ومنع نشوب العنف الانتخابي الذي -إضافة إلى التهديدات الأخرى- من شأنه أن يدخل البلد في حالة من عدم الاستقرار، ولاسيما أن المنطقة لا ترغب في أزمة أخرى. وفيما بين عامي 1994 و2007، أدت النزاعات الانتخابية في اثني عشر بلدا أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بما في ذلك جنوب إفريقيا ونيجيريا والكونغو برازافيل، إلى مقتل أكثر من 5500 شخصا وملايين النازحين! وإذا نظرنا إلى هذا الوضع، يتعين علينا دعوة الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها - وفي المقام الأول رئيس الجمهورية - إلى التخطيط بعناية لتنظيم حوار صادق وشامل يسمح بإعادة النظر إلى عيوب العملية الانتخابية وإيحاد حلول شافية لها لتعافي البلاد من الكوارث. حتى وإن كان الوقت خطير، لا ينبغي لنا أن نيأس من ذكاء الطبقة السياسية في تنوعها وعبقرية السلطات في إيجاد حلول تقي البلاد من الانزلاق في عنف انتخابي يضر باستقرار السنغال والسلام والأمن الإقليميين